الأحد، سبتمبر 21، 2008

السابع من أيار

نهار السابع من أيّار بدأ في كورنيش المزرعة بتجمّع شبّان عند المفارق المؤدّية إلى الشارع الرئيسي، ثم إلقاء قنبلة صوتية على الذين كانوا قد تجمّعوا عند "زاوية غاليري شور"، تلك الزاوية التي ستشهد الكثير من أعمال العنف والتي سيرسل من عندها مراسلون مختلف القنوات تقاريرهم المصوّرة.

الخريطة بالكلمات هي كالآتي: كورنيش المزرعة خط التماس الفاصل بين منطقة "بربور" المعارضة ومنطقة "الطريق الجديدة" الموالية. شارع "بربور" الموازي لكورنيش المزرعة يتعامد عليه شارع ينحدر باتجاه كورنيش المزرعة، زاوية التقاء هذا الشارع بالكورنيش هي زاوية "غاليري شور". في الجهة المقابلة لهذا الشارع "بورة" تطل من ورائها أبنية "الطريق الجديدة"، ومنها أيضا يطلّ شباب تلك المنطقة يطلقون هتافات معادية للمعارضة وداعمة للحكومة، وقبالتها يرفعون صورة كبرى للسنيورة ضاحكاً ورافعاً يده للتحية. قبالة تلك "البورة" ملالة الجيش اللبناني وعدد كبير نسبيا من عناصره يحاولون الفصل بين الجهتين.

صباح السابع من أيّار كان متوتّراً بوضوح، حركة مناصري المعارضة وتجمّعهم، حركة الدراجات النارية الكثيفة، القنبلة الصوتية، طلات مناصري تيّار المستقبل، إطلاق الهتافات من الجهتين، يشحن الأجواء وصولا إلى التراشق بالحجارة التي ستسقط كلها على الجيش اللبناني لأن المسافة الفاصلة بين الطرفين أبعد من قدرة الأيادي والعضلات المفتولة على الرمي. الجيش اللبناني يطلق قنبلة غازية، يتفرّق الشبّان ويعيدون التجمّع خلف المباني التي تسترهم عن أنظار الجيش وأنظار الشبان في الطرف الآخر.

يتقدّم النهار ويتصاعد التوتر وصولا إلى ظهور المسلّحين.

التاسع من أيّار. بعد مرور نهارا كاملا على سيطرة المعارضة عسكريا على كامل مدينة بيروت، أجول في شوارع بيروت: بربور، كورنيش المزرعة، مار الياس، البطركية، الظريف، الصنائع، سبيرز، الحمرا، كاراكاس، المنارة، الروشة، عين التينة، وعودة إلى كورنيش المزرعة. في معظم الشوارع ينتشر الجيش اللبناني ومسلّحو المعارضة في وقت واحد، تفصل بين نقاطهما بضعة أمتار فقط. التصوير مسموح شرط عدم توجيه الكاميرا إلى عناصر الجيش وآلياته ولا إلى مسلحّي المعارضة. في مار الياس يشرح لي أحد الملثّمين كيف سينسى كل الشعب اللبناني ما حدث في بيروت عندما يلمس التحسينات المعيشية الكبرى التي ستؤمّنها المعارضة للكل دون تفرقة، فهو قد اضطر لتسكير محلّه ولا يريد البقاء في شوارع بيروت ملثّماً مسلّحاً كما يقول. الأمر إذن ليس فقط مسألة شبكة الاتصالات الشهيرة بالنسبة له، أمله حياة أفضل. في البطركية دورية راجلة من ثلاثة مسلّحين غير ملثّمين للمعارضة لا يجدون مانعاً من تصوير ظهورهم ويتابعون سيرهم. مشهدان تكرّرا في تلك الجولة، مشهد الطرقات المقطوعة بكل ما توفّر من ركام وحديد وحاويات ونفايات أُفرغت من تلك الحاويات، ومشهدي أُخرج بطاقة الهوية أسلمّها لمسلّحي المعارضة أو عناصر الأمن الداخلي وأجيب على أسئلتهم التي تحاول مواربة اكتشاف طائفتي أو تسألني عنها صراحة.

في التاسعة والنصف ليلا تنتهي جولة ساعتين ونصف في شوارع بيروت التي خلّت إلا من الأمن والمعارضة ومنّي.

ليست هناك تعليقات: