بيروت في 18/1/2007
النبطية، بُعيد انتهاء العدوان الاسرائيلي عام 1996، استضافت لقاء "انتظارات الشباب" تحت عنوان "ظاهرة التضامن مع الجنوب" في كلية العلوم المواجهة لأحد المواقع العسكرية الاسرائيلية. كانت تلك مشاركتي الأولى في "انتظارات الشباب". يومها وقف حسين ضاهر معترضاً على عنوان اللقاء، فالظاهرة، في رأيه، هي أمر مستغرب أو نادر الحدوث، كأن تولد هرّة بجناحين، أو أن يتنحّى عشرة ملوك عن عروشهم في نهار واحد أو في سنة واحدة. والتضامن يكون بين طرفين منفصلين أو شعبين مختلفين، إذ يمكن للشعب الكوبي مثلاً أن يتضامن مع الشعب اللبناني، أو يتضامن الشعب اللبناني مع الشعب الموزمبيقي. لكن كيف يتضامن أهالي الشمال والشرق والغرب مع أهل الجنوب وهم شعب واحد؟ يومها اعترض حسين ضاهر على العنوان دون أن يقترح بديلاً عنه، بل اكتفى بالتمنّي لو أن العنوان كان مختلفاً، لكنّه كان متأكّداً أننا شعبٌ واحد. شاب آخر تمنّى لو يبقى الجنوب تحت العدوان الإسرائيلي كي تبقى قضيته حاضرة في العقل اللبناني العام ووجدانه، وليس فقط في الذاكرة والخطابات الحماسية.
بعد أكثر من عشر سنوات من التاريخ المُعاد والمُعاش بتكرار إلى حد الملل والفضيحة واليأس والهجرة والأسئلة المستحيلة والإجابات المستعصية، وضياع الذاكرة والهوية معاً ، نجتمع بدون صدفة، بل في سلسلة طويلة من اللقاءات والمؤتمرات الشبابية بحثاً عن الوطن واقتناعاً بضرورة وإمكانية بل حتمية التغيير.
أحاول أن أساعد حسين ضاهر في إيجاد الكلمات والمفردات، ربّما كان التماسك الشعبي هو ما يصف الذي حصل عام 1996 وتكرّر عام 2006 وإن كان هذا التكرار قد حصل بحماس أقل وبشكّ أكبر بكثير. أحداث ومشاهد تكرّرت على طول الذاكرة الشعبية وعلى امتداد مساحة الوطن: الاتهامات، الاغتيالات، الحكومات، الحوارات، الوساطات، الأزمات، الديون، التحالفات، المحاور، الضرائب، الهجرة، البطالة، الاعتصامات، المظاهرات، المواجهات، النيران على المتظاهرين، الخوف من الفراغات الدستورية، حتى بتنا نخشى الفراغ الدستوري كما كانوا يعتقدون في العصور المظلمة أن الطبيعة تخشى الفراغ. مشاهد أخرى تكرّرت: الأضواء، المهرجانات، الاحتفالات، الآمال، الاندفاع، لكن أكثر ما تكرّر هو محاولات الصمود غير اليائسة على كل الأصعدة والجبهات. هل هذا التكرار المشترك يجعل منّا شعباً واحداً؟
شعبٌ واحدٌ، أي متفاهم ومتناسق ومتكامل، يعمل من أجل دولة واحدة ومستقبل واثق واضح المعالم. شعبٌ واحدٌ لديه مناعةٌ ضد عوامل التفكك والانهيار، هو شعبٌ لا بدّ ان يلتقي على أسسٍ واقعية وعملية. يعيش في دولة تتقدّم بالدرجة الأولى وفق خطة اقتصادية انمائية، تؤمّن مصالح أبناء هذا الشعب وتضمن صلابته أمام الأزمات التي قد تعترضه، خاصّة في منطقة كثيرة القلاقل والنزاعات كالشرق الأوسط. فاحشو الثراء والمدقعون في الفقر كما العاطلون عن العمل لا يكونون شعباً واحداً ، لا في لبنان ولا في أي بقعة من العالم. من يموتون فلا يجدون من يدفنهم ومن يُدفنون في صخب وهرج ومرج، لا يمكن أن يكونوا أبناء شعب واحد. ليسوا أبناء شعب واحد من تستخدمهم المحاور على اختلافها، ومن يناضلون لتحقيق الاستقلال والحرية والديمقراطية. لكن ليس ما يمنع هؤلاء وأولئك من العيش على أرض واحدة في ظلّ دستور جامع وقوانين عادلة ودولة واحدة. لذا نحاول جاهدين، كغيرنا من شعوب العالم، أن نكون شعباً واحداً في هذه الدولة. نحاول ذلك عبر البحث عن نظام سياسي نتقبّله لما فيه من العوامل الجامعة لنا كجماعة بشرية تسعى لأن تكون شعباً. فماذا يعترض بحثنا عن ذلك النظام السياسي؟
لا يمكن أن نتفق على نظام لا يجمعنا إلا كأبناء طوائف مختلفة. نظامٌ يدفعنا إلى البطالة والهجرة. لن أصدّق أنّهم يختلفون على نظام سياسي هم فيه حكّامٌ يصادرون قرارنا باسم التمثيل والتوازن، ويجنون ثمار عملنا وبطالتنا وهجرتنا واقتتالنا. نحن شعب واحد أمام أبواب السفارات، وشعب واحد في الساحات والاعتصامات وإن اختلفت الأهداف. وهم شعب واحد فوق الكراسي، في الاختلاس وإثارة النعرات وجني الثروات الخيالية ، وانتهاز الفرص وإن تضاربت المصالح.
من جمعهم تاريخ مشترك، كانوا شعباً واحداً، لكن سوف يكونون شعباً واحداً أولئك من سوف يجمعهم مستقبل مشترك.
"كيف نكون شعباً واحداً؟" ضرورة الوجود في "نكون" تسبق استحقاق الشعب الواحد. أن "نكون" تفترض ضمناً ألا "نفنى" فلا نكون. بين الملايين المتظاهرة في كل مناسة، أكثرية ضامنة لبقائنا. لكن هل بين البعض الحاكم أوالساعي الى الحكم، ولو أقليّة، ترى وطناً في قيام الدولة الحديثة؟
كيف نكون شعباً واحداً؟!
خيار وحيد: لا نكون شعباً إلا واحداً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق