الثلاثاء، أكتوبر 16، 2012

معالم الأرض هيكل المدينة

قال لي ابو رأفت (ناطور الورشة الخمسيني الطيب القلب): نظرت إلى أرض جيراننا، الله أعلم تبلغ مساحتها اربع دنمات (مستعملا الدنم في تعبيره التلقائي الذي يعكس خلفيته كمزارع)، تابع قائلا: هل طمروها ورفعوها؟ هي أعلى من أرضنا، يقصد العقار التي تقوم عليه ورشة البناء التي يحرسها، كيف جعلوها بهذا الارتفاع؟؟
أجبته: ماذا في الأمر؟ الأرض هنا كانت منحدرة، هي جزء من تلة الأشرفية، والطريق ما زالت منحدرة كما ترى لكن الأراضي سويت بما يناسب الأبنية. طبعا لم يعد بالإمكان أن ترى التلة ولا أن تجدها حتى لو بحثت، فهي قد أزيلت ولم يبق منها سوى الشوارع المنحدرة.
فضحك ونظر إلى السقف قائلا: نعم، الآن فهمت، ما تقوله يبدو منطقيا ان كانت هذه الأرض التي يسمونها الأشرفية تلة.
تذكرت ما كتب إيطالو كالفينو في كتابه المدن الخفية عن مدينتين تمددتا حتى التقيتا وتداخلتا فأزالتا المراعي بينهما، وكيف التقى الرحالة الذي دخل المدينة ولم يجد طريقه للخروج منها، التقى براعي غنم فسأله في أي مدينة نحن؟ فأجابه الراعي: ان اغنامي تعرف الطعم ، هذا مرعى كذا

الأحد، أبريل 15، 2012

شريط شائك على الشريط البحري

بعد ان باءت كل المحاولات بالفشل، يبدو أن بلدية بيروت وجدت الحل الناجع لأولئك المارّة الهمجيون الذين يدوسون الشريط الأخضر في وسط الجادات العريضة. شعرت انني ثأرت لكل نبتة داسها همجيّ في المدينة حين رأيت الأسلاك الشائكة تمتدّ وسط الجادات فوق الشريط الأخضر فتجبر من يريد عبور الشارع أن يمرّ في المكان المخصّص. بهذه الطريقة المبدعة وجدت بلدية بيروت الحلّ، فالآن سيعاني كل من يتعدّى على خضرة المدينة من عقاب السلك الشائك، ستتمزق أيديهم وأرجلهم وتُسلخ جلودهم أحياء ان حاولوا تقصيف النبتات، شباناً كانوا أم شيبا أم أطفالاً، ان أتوا منكرهم نهاراً أم ليلاً سيعاقبون على الملأ ومباشرة دون تمهيل. ان الله شديد العقاب.




الجمعة، مارس 02، 2012

واقع الهلال والصليب










واقع الهلال فوق المئذنة والصليب فوق برج الجرس لا يشبه بشيء صورة التعايش والتآخي التي توحي بهما.

في وسط بيروت، وبعد صراع مرير وفضائحي مع الراحل رفيق الحريري، تم تشييد مسجد محمد الامين الثقيل الوزن والظل ساحقا محيطه ضمن دائرة يمتد قطرها مئات الامتار. أولى الضحايا كانت الاقرب اليه، الكنيسة المجاورة صارت قزما بعد أن كانت معلما لما يزيد عن قرن من الزمن. حين شُيّد المسجد المذكور ارتفعت قبّـته بمستوى برجي الكنيسة ثم علت مآذنه الأربعة السمجة فوق ذلك عشرات الأمتار بغطرسة وقحة ورعناء. اعتقد الراحل الحريري يومها أنه يوجّه رسالة قوية لأهل بيروت، ربما قصد أهل السنة، أن ها أنا عكس ما روّجوا أنني أعرقل تشييد المسجد، أبنيه لكم يسحق كل الآخرين لأنكم أسياد الساحة بلا منافس وأسياد المدينة وأسياد البلاد بأسرها، هكذا في لحظة طيش اعتقد أنهم سيسيرون خلفه كالنعاج وأن دهرا من القراءة لم يخلق فيهم شيئا من الوعي. ارتفعت تلك المآذن السمجة لتسحق الكنسية التي كانت معلم المكان كما اعتاد أن يسحق المعالم كما يسحق القمل بأظافره. لكن بعد رحيله ظهر ما كان قد استثاره في أهل تلك الكنيسة فانطلقوا في برج لكنيستهم يسابق المآذن لاختراق قبة السماء الوادعة.

صورة الصليب والهلال متقاربين ستعكس للمرة الأولى كل غطرسة وبلاهة الواقع. لأول مرة سينظر اليهما المارّة وهم يقولون أن كذا الواقع، ليس الصورة تصوّراً أحمقاً عن عيش مشترك، بل تظهير حقيقي لصورة البشاعة في الكره والحقد الدفين.