الاثنين، أغسطس 31، 2009

عند التقاطع

السير الدافق في شوارع بيروت يتسرّب من بعض المنافذ بين الأبنية المتلاصقة المختنقة بأدخنة الحياة المدينية. يجرفني الدفق على الرصيف. الواجهات الملساء لا توفّر ما يمكنني أن أتمسّك به. أدلف من إحدى زوايا التقاطع الغاصّ المتحشرج. يقف شرطيٌّ محاولاً بيأس بالغ تنظيم السير وتسهيله.
يمسك دفتر "الضبوطات"، شابٌّ في مطلع العشرينات من عمره، نحيلٌ إلى حدّ الهزل، محنيّ الكتفين. ألمح وجهه في فيء قبّعته، عيناه تشبهان جسده. يهزّ دفتر "الضبوطات" مهدّداً أي مخالف محتمل.
فيما يستمرّ السير سيّالاً يبدأ الشرطيّ بالدوارن حول نفسه، يجيل نظره بين السيارات المتحرّكة والمشاة، يذكّر الجمع ممن ضمّ الشارع بقدرته وسلطته العليا الناظمة متابعاً رقصته الساخرة.
يستدير نحو "الخط المتوقف"، عبر الزجاج الأماميّ للسيارة الأوروبيّة الواقفة على رأس الخط تبدو فتاة سمراء، شعرها مشدود إلى الوراء ببساطة واضحة، تجلس في سيّارتها، النوافذ مغلقة، معالم الملل بادية بوضوح في نظراتها الشازرة حتى لجدران الأبنية الواقفة.
يراها ممسكة المقود كأنّما لصورة ستُنشر في إحدى المجلات الطافحة بأخبار المجتمع الساعي إلى المخمل. تتحوّل رقصته إلى خطوات متراقصة، دفتر الضبوطات ما زال يهتزّ بيده. ينظر مباشرة في عينيّ الفتاة مقترباً من سيارتها. لا تحرّك ساكناً. يمرّ قرب السيارة دون أن يشيح نظراته الوقحة البلهاءعن رقبتها والفتحة العريضة التي تُظهر امتداد سمرة الصيف إلى صدرها. تتابعه بطرف عينيها مبدية لا مبالاة باردة . ينتظر منها استجابة ما ولو مسايرة لسلطتة. لا تريد منه سوى أن يفرج عن السير.

ليست هناك تعليقات: