الجمعة، مارس 02، 2012

واقع الهلال والصليب










واقع الهلال فوق المئذنة والصليب فوق برج الجرس لا يشبه بشيء صورة التعايش والتآخي التي توحي بهما.

في وسط بيروت، وبعد صراع مرير وفضائحي مع الراحل رفيق الحريري، تم تشييد مسجد محمد الامين الثقيل الوزن والظل ساحقا محيطه ضمن دائرة يمتد قطرها مئات الامتار. أولى الضحايا كانت الاقرب اليه، الكنيسة المجاورة صارت قزما بعد أن كانت معلما لما يزيد عن قرن من الزمن. حين شُيّد المسجد المذكور ارتفعت قبّـته بمستوى برجي الكنيسة ثم علت مآذنه الأربعة السمجة فوق ذلك عشرات الأمتار بغطرسة وقحة ورعناء. اعتقد الراحل الحريري يومها أنه يوجّه رسالة قوية لأهل بيروت، ربما قصد أهل السنة، أن ها أنا عكس ما روّجوا أنني أعرقل تشييد المسجد، أبنيه لكم يسحق كل الآخرين لأنكم أسياد الساحة بلا منافس وأسياد المدينة وأسياد البلاد بأسرها، هكذا في لحظة طيش اعتقد أنهم سيسيرون خلفه كالنعاج وأن دهرا من القراءة لم يخلق فيهم شيئا من الوعي. ارتفعت تلك المآذن السمجة لتسحق الكنسية التي كانت معلم المكان كما اعتاد أن يسحق المعالم كما يسحق القمل بأظافره. لكن بعد رحيله ظهر ما كان قد استثاره في أهل تلك الكنيسة فانطلقوا في برج لكنيستهم يسابق المآذن لاختراق قبة السماء الوادعة.

صورة الصليب والهلال متقاربين ستعكس للمرة الأولى كل غطرسة وبلاهة الواقع. لأول مرة سينظر اليهما المارّة وهم يقولون أن كذا الواقع، ليس الصورة تصوّراً أحمقاً عن عيش مشترك، بل تظهير حقيقي لصورة البشاعة في الكره والحقد الدفين.